المهمة كبيرة ولكنها يسيرة لكل من يسرها اللّه عليه، يقول رسول اللّه r: "إن اللّه يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين". وقال أيضًا: "فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من قلوب الرجال من الإبل من عقله".
هناك أطفال أميون كفيفون، ومن لا يعرفون العربية من جنسيات مختلفة يحفظون القرآن عن ظهر قلب، وهذا من معجزات القرآن {بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 49].
ومن يحفظ القرآن عليه مسئولية العمل به حتى لا يقيم الحجة على نفسه، يقول سيدنا عبد اللّه بن مسعود: "ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نيام، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي أن يكون مستكينًا لينًا، ولا ينبغي أن يكون جافيًا ولا مماريًا ولا صخّابًا".
إذن فحفظ القرآن تربية للفرد ومن ثَمَّ للمجتمع، هذا إضافةً إلى فضله:
1- يؤم القوم أقرأهم لكتاب اللّه.
2- كان يقدِّم حفظة القرآن من شهداء أُحد في اللحد.
3 - كان مجلس شورى عمر من الحفظة شبابًا وشيوخاً.
4 - كان الذين يحملون القرآن في مقدمة مجاهدي معركة اليمامة واستشهد منهم 500.
عشر قواعد أساسية لحفظ القرآن
1- الإخلاص:
أول من يقضى عليه يوم القيامة القارئ حتى يقال قارئ فيسحب في النار (كما جاء في حديث عن النبي )، فيجب الإكثار من النوايا الصالحة عند حفظ القرآن لتعدد الأمر والحسنات، مثال:
أ- نية القدرة على قراءة القرآن أثناء المشي والقيادة حيث لا يمكن القراءة من مصحف.
ب- نية قيام الليل به بدون ملل حيث التجول بين الآيات الواسعة.
ج- نية أن تلبس والديك تاجًا ضوءه أفضل من ضوء الشمس.
د- قال أبو أمامة: "اقرءوا القرآن؛ فإن اللّه لا يعذب قلبًا وعى القرآن".
هـ- نية تعليم القرآن للغير، فعن سيدنا عثمان بن عفان قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه".
و- تحقق القدوة الحسنة.
2- العزيمة والإرادة الصادقة وعدم التسويف: فالرغبة وحدها لا تكفي.. {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورا، قال : "الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه الأماني".
3- إدراك القيمة: "لا حسد إلا في اثنتين..." الحديث، "وإن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن أنس قال:"أهل القرآن هم أهل اللّه وخاصته"
4- العمل بما تحفظ: مثل سيدنا عمر.. تحقيق آيات تحريم الربا، آيات الإنفاق، آيات غض البصر، يقول أنس t: "رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه". في معركة اليمامة يقول عمّار بن ياسر: "زينوا القرآن بالفعال".
5- ترك الذنوب وسرعة التوبة: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}
يقول الشافعي:
شكـوت إلى وكيعٍ سـوء حفظي *** فأرشدني إلى تـرك المعاصـي
وأخبـرنـي بأن العلـم نــور *** ونور الله لا يُهـدى لعاصـي
6- الدعاء اللحوح: وتحري أوقات إجابة الدعاء.
7- الفَهْم الصحيح لمعاني الآيات وأسباب النزول من خلال مختصر ابن كثير مثلاً.
8- التجويد: تعلم التجويد عن طريق التلقي من احد المتقنين لقواعد التجويد.
9 - المداومة على القراءة والسماع (مثل إذاعة القرآن الكريم).
10- الصلاة الخاشعة بما تحفظ، وتدبر معاني الآيات، وخاصة في قيام الليل، وكذلك الحرص على مراجعة ما تحفظ.
وعشر قواعد مساعدة
1- وضع خُطَّة واضحة وتحديد الوقت، مثال: حفظ القرآن في خمسة أعوام، 6 أجزاء في العام الواحد، حفظ ربع كل أسبوع، و4 أسابيع في العام للمراجعة.
2- مشاركة الغير للتغلب على الفتور العمل الجماعي.
3- احمل مصحفًا صغيرًا في جيبك دائمًا؛ لاستغلال الفترات البينية.
4- احرص على متابعة الإمام في الصلوات الجهرية.
5- ابدأ بالسور الأسهل والسور ذات الفضل الخاص، مثل سورة الكهف، الملك، ق، وهكذا، والسور التي بها قصص؛ مثل سورة يوسف، الأعراف، والحفظ بالترتيب في الأول ليس بمهم.
6- حافظ على رسم واحد للمصحف، وليكن مثلاً مصحف المدينة المنورة.
7- لا تجاوز مقرر الحفظ حتى تتقنه.
8- اربط أول السورة بآخرها، أي مراجعة السورة إجمالاً مرة بعد مرة وليست مقطعة.
9- الاعتناء بالمتشابهات والاهتمام بها والرجوع للتفسير (ولكن في بداية الحفظ)، ولا تحفظ السور المتشابهة تباعًا، مثل: هود تشبه الأعراف...؛ فلا تُحفظ تباعًا.
10- اشترك في مسابقات القرآن الكريم {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}
بقلم الدكتور راغب السرجاني